فصل: ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَنْ خَرَجَ إِلَى سَفَرٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَاجَةٍ ذَكَرَهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ الْمَارِّ فِي سَفَرِهِ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ:

وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسَافِرِ يَمُرُّ فِي سَفَرِهِ بِقَرْيَةٍ فِيهَا لَهُ أَهْلٌ وَمَالٌ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُتِمُّ الصَّلَاةَ، وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا قَدِمْتَ عَلَى أَهْلٍ لَكَ أَوْ مَاشِيَةٍ فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ.
2294- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: أَقْصُرُ الصَّلَاةَ إِلَى عَرَفَةَ؟، قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِلَى مِنًى؟، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ جُدَّةَ، وَعُسْفَانَ، وَإِلَى الطَّائِفِ، فَإِنْ قَدِمْتَ عَلَى أَهْلِ لَكَ أَوْ مَاشِيَةٍ فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ قَالَ الزُّهْرِيُّ: إِذَا مَرَّ بِمَزْرَعَةٍ لَهُ فِي سَفَرِهِ أَتَمَّ صَلَاتَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا مَرَّ بِقَرْيَةٍ فِيهَا أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بِمِثْلِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: فَإِنْ قَدِمَ عَلَى مَاشِيَةٍ لَهُ أَوْ قَرْيَةٍ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَرَارَهُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مَا لَمْ يَجْمَعْ مُقَامَ أَرْبَعٍ، قَصَرَ أَصْحَابُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ عَامَ الْفَتْحِ، وَلِعَدَدٍ مِنْهُمْ بِمَكَّةَ دَارٌ أَوْ أَكْثَرُ وَقَرَابَاتٌ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ، أَعِنِّي إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ عَلَى أَهْلٍ لَهُ وَمَالٍ أَنْ يَقْصُرَ.

.ذِكْرُ إِمَامَةِ الْمُسَافِرِ الْمُقِيمَ:

ثَابِتٌ عَنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ فَصَلَّى بِهَا أَيَّامًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. وَأَجْمَعُ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُقِيمِ إِذَا ائْتَمَّ بِالْمُسَافِرِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ مِنْ ثِنْتَيْنِ أَنَّ عَلَيْهِ إِتْمَامَ الصَّلَاةِ.
2295- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، ثنا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ: أَنَّ فَتًى، سَأَلَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ عَنْ صَلَاةِ، رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ؟، فَقَالَ: مَا سَافَرَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرًا إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وَأَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ مِنَ الْفَتْحِ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، قُومُوا فَصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَصْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَابِتٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ يَتَكَلَّمُ فِي حَدِيثِهِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، إِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ فَأَتِمُّوا الصَّلَاةَ.
2296- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَفَّانَ، ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: صَلَّى عُمَرُ بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، إِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ فَأَتِمُّوا الصَّلَاةَ. وَاخْتَلَفُوا فِي مُسَافِرٍ أَمَّ قَوْمًا مُقِيمِينَ، وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجْزِيهِمْ، هَكَذَا قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ: وَقَدْ قَصَرَ هُوَ صَلَاتَهُ. وَفِي قَوْلِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ: إِذَا صَلَّى مُسَافِرٌ بِمُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ أَرْبَعًا فَإِنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ جَائِزَةٌ، وَصَلَاةَ الْمُقِيمِينَ فَاسِدَةٌ، لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ عِنْدَهُمْ تَطَوُّعٌ بِالرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ، وَمَنْ مَذْهَبُهُمْ أَنَّ مَنَ صَلَّى فَرْضًا خَلْفَ إِمَامٍ يَتَطَوَّعُ بِالصَّلَاةِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّ صَلَاتَهُمْ كُلَّهُمْ تَامَّةٌ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي مُسَافِرٍ يَسْهُوَ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا: يَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ.

.ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَنْ خَرَجَ إِلَى سَفَرٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَاجَةٍ ذَكَرَهَا:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَرْءِ يُسَافَرُ فَيَقْصُرُ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ يَذْكُرُ حَاجَةً فَيَرْجِعُ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُتِمُّ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ سَفَرًا يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةَ، هَكَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُتِمُّ الصَّلَاةَ إِذَا رَجَعَ حَتَّى يَخْرُجَ فَاصِلًا الثَّانِيَةَ مِنْ بَيْتِهِ وَيُجَاوِزُ بُيُوتَ الْقَرْيَةِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي مُسَافِرٍ ثَابِتٍ لَهُ حَاجَةٌ فَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَحَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ فِي طَرِيقَهِ، أَوْ طَرِيقِ أَهْلِهِ ذَاهِبًا أَوْ جَائِيًا قَصَرَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى فِي رُجُوعِهِ الْمُقَامَ فِي أَهْلِهِ أَرْبَعًا، وَلَوْ أَتَمَّ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: فِي رَجُلٍ خَرَجَ مُسَافِرًا فَبَدَا لَهُ فِي حَاجَةٍ إِلَى بَيْتِهِ لِيَأْخُذَهَا، فَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، قَالَ: هُوَ مُسَافِرٌ إِلَّا إِذَا كَانَ لَهُ أَهْلٌ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا قَدِمْتَ عَلَى أَهْلٍ لَكَ أَوْ مَاشِيَةٍ فَأَتِمَّ، قَالَ الرَّاوِي عَنْهُ ذَلِكَ: رَاوَدْتُهُ فَقَالَ: هُوَ مُسَافِرٌ يَقْصُرُ، قَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ: إِذَا كَانَ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ قَدْرَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَقْصُرْ، وَإِنْ أَجْمَعَ مِنْ قَرِيبٍ أَتَمَّ حَتَّى يَعُودَ إِلَى مَوْضِعِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ تَارِكًا لِسَفَرِهِ وَقَدْ صَلَّى بَعْضَ الصَّلَوَاتِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ فِي الرُّجُوعِ، فَإِنَّ طَائِفَةً قَالَتْ: تَمَّتْ صَلَاتُهُ الَّتِي صَلَّى وَيُتِمُّ فِي الصَّلَاةِ مَرْجِعَهُ إِذَا كَانَ فِيمَا لَا يُقْصَرُ إِلَيْهِ الصَّلَاةُ، هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَهَذَا يُشْبِهُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ أَعَادَ تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَإِلَّا فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُ.
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: إِذَا سَافَرَ فَسَارَ عَشْرَةَ أَمْيَالٍ فَصَلَّى فِي ذَلِكَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ يُتِمُّ تِلْكَ الصَّلَاتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَوْلُهُ هَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَةُ شَيْءٍ مِمَّا صَلَّى، لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا أُمِرَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُوجَبَ عَلَيْهِ إِذًا فَرْضٌ مَرَّتَيْنِ، وَلَا حُجَّةَ مَعَ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ إِعَادَتَهَا.

.ذِكْرُ الْمُكَارِي وَالْمَلَّاحِ وَصَاحِبِ السَّفِينَةِ يَقْصُرُ مِنَ الصَّلَاةِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَلَّاحِ، وَالْمُكَارِي، وَصَاحِبِ السَّفِينَةِ يَحْضُرُهُمُ الصَّلَاةُ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ إِذَا سَافَرُوا، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدٍ بْنِ الْحَسَنِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي النَّوَاتِيَةِ كَذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَذَكَرَ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يُتِمُّ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ فِي الْمَلَّاحِ: إِذَا كَانَتِ السَّفِينَةُ بَيْتُهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ وَيَصُومُ، وَقَالَ فِي الْمُكَارِي: الَّذِي دَهْرُهُ فِي السَّفَرِ يَقْصُرُ. وَاخْتَلَفَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الرَّجُلِ يُرِيدُ السَّفَرَ فَيَبْرُزُ عَنِ الْقَرْيَةِ الْمِيلَ وَالْمِيلَيْنِ فَيُقِيمُ بِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ يَقْصُرَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَدِّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْجُمُعَةُ. وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إِذَا بَرَزَ عَنِ الْبُيُوتِ قَصَرَ إِنْ شَاءَ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُقَامَ أَرْبَعٍ فِي مَقَامِهِ.

.ذِكْرُ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فِي سَفَرٍ فَذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ أَوْ نَسِيَ صَلَاةً فِي حَضَرٍ فَذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ:

أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلَافًا عَلَى أَنَّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فِي حَضَرٍ فَذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةَ الْحَضَرِ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، إِلَّا شَيْءٍ اخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ الْحَسَنِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَسِيَ صَلَاةً فِي سَفَرٍ فَذَكَرَهَا بَعْدَ قُدُومِهِ فِي الْحَضَرِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُصَلِّي صَلَاةَ سَفَرٍ كَمَا كَانَتْ فُرِضَتْ عَلَيْهِ، هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِذْ هُوَ بِالْعِرَاقِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ لَمَّا صَارَ بِمِصْرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا، هَكَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ آخِرُ قَوْلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الْحَسَنِ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلًا ثَالِثًا: وَهِيَ خِلَافُ رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْهُ، فِيمَنْ نَسِيَ صَلَاةً فِي سَفَرٍ فَذَكَرَهَا فِي حَضَرٍ، وَقَوْلُهُ فِيمَنْ نَسِيَ صَلَاةً فِي حَضَرٍ فَذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ قَوْلٌ شَاذُّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ، ذَكَرَ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ الْأَشْعَثِ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ فِي رَجُلٍ نَسِيَ صَلَاةَ الْحَضَرِ حَتَّى ذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ، قَالَ: يُصَلِّيهَا صَلَاةَ السَّفَرِ، وَإِذَا نَسِيَ صَلَاةً فِي سَفَرٍ ثُمَّ ذَكَرَهَا فِي الْحَضَرِ صَلَّى صَلَاةَ الْحَضَرِ.

.جِمَاعُ أَبْوَابِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ الْعِلَل:

.ذِكْرُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ جَالِسًا إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ:

2297- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ، أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى لَنَا صَلَاةً وَهُوَ جَالِسٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ فَرْضَ مَنْ لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا، أَوْ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْجُلُوسِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقُومَ لِدُنْيَاهُ فَلْيُصَلِّ قَاعِدًا، كَانَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ يَقُولُ ذَلِكَ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إِذَا كَانَ قِيَامُهُ يَزِيدُ وَهْنًا وَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ، وَلَا يَخْرُجُ فِي حَاجَةٍ مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا صَلَّى جَالِسًا، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ، وَقَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّذِي يُصِيبُهُ الْمَرَضُ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ وَيُتْعِبُهُ وَيَبْلُغُ مِنْهُ حَتَّى يَشْتَدَّ الْقِيَامُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا، وَإِنَّمَا الدِّينُ يُسِرٌّ، قَالَ اللهُ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] الْآَيَةَ.
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَكُلُّ حَالٍ أَمَرْتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا يُطِيقُهُ فَإِذَا أَطَاقَهَا بِبَعْضِ الْمَشَقَّةِ الْمُحْتَمَلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَّا كَمَا فُرِضَ عَلَيْهِ، إِذَا أَطَاقَ الْقِيَامَ بِبَعْضِ الْمَشَقَّةِ قَامَ فَأَتَى بِأَقَلَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَأُحِبُّ أَنْ يَزِيدَ مَعَهَا شَيْئًا، وَإِنَّمَا آمُرُهُ بِالْقُعُودِ إِذَا كَانَتِ الْمَشَقَّةُ غَيْرَ مُحْتَمَلَةٍ، أَوْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِحَالٍ.

.ذِكْرُ صِفَةِ صَلَاةِ الْجَالِسِ:

2298- حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمَحْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. وَقَدْ ذَكَرْتُ الْحَدِيثَ فِي أَبْوَابِ صَلَوَاتِ التَّطَوُّعِ قَاعِدًا. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِفَةِ جُلُوسِ الْمُصَلِّي قَاعِدًا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَكُونُ فِي حَالِ قِيَامِهِ مُتَرَبِّعًا، فَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ يُصَلِّيَ مُتَرَبِّعًا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَمُجَاهِدٌ.
2299- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ أَوْ عَبَّاسًا، شَكَكْتُ أَنَا، مُتَرَبِّعَيْنِ فِي الصَّلَاةِ.
2300- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، ثنا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرِّحَالِ الطَّائِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ مُتَرَبِّعًا.
2301- حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ نِسَاءَهُ يَتَرَبَّعْنَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: يَجْعَلُ قِيَامَهُ مُتَرَبِّعًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ ثَنَى رِجْلَهُ كَمَا يَرْكَعُ الْقَائِمُ. وَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ الصَّلَاةَ مُتَرَبِّعًا، وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَأَنْ أُصَلِّيَ عَلَى رُضْفَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ مُتَرَبِّعًا، وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ رِوَايَةً، قَالَ: فِي الرَّجُلِ يَجْلِسُ فِي صَلَاتِهِ مُتَرَبِّعًا، قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يُطِيقُ إِلَّا ذَلِكَ، وَرُوِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ خِلَافُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.
2302- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْنٌ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْهَيْثَمِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَأَنْ أُصَلِّيَ عَلَى رُضْفَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ مُتَرَبِّعًا.
2303- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: رَأَى ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا فَنَهَاهُ، قَالَ: هُوَ ذَا أَبٌ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا، قَالَ: إِنِّي أَشْتَكِي رِجْلَيَّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدِيثُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَدْ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَادِهِ، رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّرَبُّعِ، وَلَا أَحْسَبُ الْحَدِيثَ يَثْبُتُ مَرْفُوعًا، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِي صِفَةِ جُلُوسِ الْمُصَّلي قَاعِدًا سُنَّةٌ تُتَّبَعُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ فَيَكُونَ جُلُوسُهُ كَمَا سَهُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، إِنْ شَاءَ صَلَّى مُتَرَبِّعًا، وَإِنْ شَاءَ مُحْتَبِيًا، وَإِنْ شَاءَ جَلَسَ كَجُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، كُلُّ ذَلِكَ قَدْ رُوِيَ عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ رَأَى أَنْ يَتَرَبَّعَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ قَائِمًا لَمَّا كَانَ حَالُهُ قَائِمًا غَيْرَ حَالِهِ جَالِسًا، وَجَبَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ، فَيَكُونُ فِي الْحَالِ قِيَامُهُ مُتَرَبِّعًا لِيَدْخُلَ بَيْنَ حَالِ قِيَامِهِ وَحَالِ جُلُوسِهِ مَعَ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ صَلَّى فَكَانَ فِي جُلُوسُهُ مُتَرَبِّعًا كَيْفَ يَفْعَلُ فِي حَالِ رُكُوعِهِ؟، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ ثَنَى فَخِذَهُ كَمَا يَجْلِسُ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ، هَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَكُونُ جُلُوسُهُ مُتَرَبِّعًا، وَيَرْكَعُ وَهُوَ مُتَرَبِّعٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ ثَنَى رِجْلَهُ، هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ نَحْوٌ مِنْ قَوْلِ الثَّوْرِيِّ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ ثَنَى رِجْلَهُ وَسَجَدَ.